فصل: أحاديث أصحابنا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 أحاديث أصحابنا

منها حديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، قال‏:‏ خرج علينا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ ‏"‏ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس‏؟‏‏!‏ أسكنوا في الصلاة‏"‏، أخرجه مسلم ‏[‏في ‏"‏باب الأمر بالسكوت في الصلاة‏"‏ ص 181، وأبو داود في ‏"‏باب السلام‏"‏ ص 150، والطحاوي‏:‏ ص 265 في ‏"‏باب الإشارة في الصلاة‏"‏، وأحمد‏:‏ ص 93 - ج 5، وص 101 - ج 5، و‏:‏ ص 107 - ج 5‏.‏‏]‏ واعترضه البخاري في ‏"‏كتابه الذي وضعه ‏[‏جزء رفع اليدين‏"‏‏:‏ ص 13‏.‏‏]‏ في رفع اليدين‏"‏، فقال‏:‏ وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة، قال‏:‏ دخل علينا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ونحن نرفع أيدينا في الصلاة، فقال‏:‏ ‏"‏ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس‏؟‏‏!‏ أسكنوا في الصلاة‏"‏، وهذا إنما كان في التشهد لا في القيام، ففسره رواية عبد اللّه بن القبطية، قال‏:‏ سمعت جابر بن سمرة، يقول‏:‏ كنا إذا صلينا خلف النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قلنا‏:‏ السلام عليكم‏.‏ السلام عليكم، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال‏:‏ ‏"‏ما بال هؤلاء يؤمنون بأيديهم، كأنه أذناب خيل شمس‏؟‏‏!‏، إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم ليسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله‏"‏، انتهى‏.‏ وهذا قول معروف لا اختلاف فيه، ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضًا منهيًّا عنه، لأنه لم يستثن رفعًا دون رفع، بل أطلق، انتهى كلامه‏.‏ ورواية عبد اللّه بن القبطية هذه أخرجه مسلم أيضًا، وفي لفظ النسائي ‏[‏في ‏"‏باب السلام بالأيدي في الصلاة‏"‏ ص 176‏.‏‏]‏، قال‏:‏ ‏"‏ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم، كأنها أذناب خيل شمس‏؟‏‏!‏‏"‏، الحديث ولقائل أن يقول‏:‏ إنهما حديثان ‏[‏قلت‏:‏ سياق الحديثين ظاهر في أن أحدهما ورد في غير ما ورد فيه الآخر، ولا يمكن أن يكون أحدهما تفسيرًا للآخر، لأن الحديث الأول‏:‏ وهو قوله عليه السلام ‏"‏أسكنوا في الصلاة‏"‏ ورد في رفعهم في الصلاة، روى النسائي‏:‏ ص 176 عن جابر بن سمرة، قال‏:‏ خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحن رافعو أيدينا في الصلاة، بخلاف الحديث الثاني‏:‏ ‏"‏إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يومي بيده، لأن رفعهم كان عند السلام، وهي حالة الخروج من الصلاة‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 4‏)‏‏:‏ - الحديث التاسع والثلاثون‏:‏ يوجد في بعض نسخ ‏"‏الهداية - للشافعي‏"‏ ما‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن في الحديث الأول كان خروجه صلى اللّه عليه وسلم من البيت، ولم يكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معهم في تلك الصلاة، روى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 93 - ج 5 من حديث جابر أنه عليه السلام دخل المسجد فأبصر قومًا قد رفعوا أيديهم، الحديث، بخلاف الحديث الثاني، فإن رفعهم فيه كان خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم، لقوله‏:‏ كنا إذا صلينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قلنا‏:‏ السلام عليكم‏.‏

الثالث‏:‏ أن الحديث الأول يدل على أن الرفع كان فعل قوم مخصوصين من المصلين، وهم الذين كانوا إذ ذاك يتنفلون في المسجد، سواء فعل جميع المصلين أو بعضهم، سوى الذين لم يكونوا إذا ذاك في الصلاة، بخلاف الحديث الثاني، فإن الرفع الذي نهى عنه عليه السلام في هذا الحديث كان فعل جميعهم‏.‏

والرابع‏:‏ أن الحديث الثاني يدل على أن رفعهم كان كرفع المصافح عند السلام، ولا يمكن أن يكون هذا هو الرفع في الحديث الأول، لأنهم كانوا فرادى‏.‏

الخامس‏:‏ أن الحديث الأول ورد على الرفع، ونهى عنه بلفظ عام، أي ‏"‏اسكنوا في الصلاة‏"‏ بخلاف الثاني، فإنه ورد في الإشارة والإيماء، ونهى عنه بلفظ يختص بحالة السلام‏.‏‏]‏ لا يفسر أحدهما بالآخر، كما جاء في لفظ الحديث الأول‏:‏ دخل علينا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وإذا الناس رافعي أيديهم في الصلاة، فقال‏:‏ ‏"‏ما لي أراكم رافعي أيديكم، كأنه أذناب خيل شمس‏؟‏‏!‏ أسكنوا في الصلاة‏"‏، والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له‏:‏ أسكن في الصلاة، إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه أثناء الصلاة، وهو حالة الركوع والسجود، ونحو ذلك، هذا هو الظاهر، والراوي روى هذا في وقت، كما شاهده، وروى الآخر في وقت آخر، كما شاهده، وليس في ذلك بُعْدُ، واللّه أعلم‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من لم يذكر الرفع عند الركوع‏"‏ ص 116، والترمذي في ‏"‏باب رفع اليدين عند الركوع‏"‏ ص 35، والنسائي في ‏"‏باب ترك رفع اليدين للركوع‏"‏ ص 158، وفي ‏"‏باب الرخصة في ذلك‏"‏ ص 161، وأحمد‏:‏ ص 442 - ج 1‏.‏‏]‏‏.‏ والترمذي عن وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة، قال‏:‏ قال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ ألا أصلي بكم صلاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏؟‏ فصلى، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، انتهى‏.‏ وفي لفظ‏:‏ فكان يرفع يديه أول مرة، ثم لا يعود، قال الترمذي‏:‏ حديث حسن، انتهى‏.‏ وأخرجه النسائي عن ابن المبارك عن سفيان به، قال الشيخ تقي الدين في ‏"‏الإمام‏"‏‏:‏ وعاصم بن كليب أخرج له مسلم، وعبد الرحمن بن الأسود أيضًا أخرج له مسلم، وهو تابعي، وثقه ابن معين، وعلقمة، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به، انتهى‏.‏ واعترض على هذا الحديث بأمور‏:‏ - منها ما رواه الترمذي بسنده عن ابن المبارك ‏[‏اعلم أن قول ابن المبارك هذا أوقع كثيرًا من أهل الحديث في مغلطة، وظنوا أن حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي وحسنه هو الذي قال فيه ابن المبارك‏:‏ لم يثبت، وهذا ليس بصحيح، لأن الحديث الذي قال فيه ابن المبارك، هو الذي ذكره الترمذي تعليقًا‏:‏ إنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، ولفظه عند الطحاوي‏:‏ أنه عليه السلام كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، هذا الحديث هو الذي يحكي فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم قولًا يدل على السلب الكلي المناقض للايجاب الجزئي، الذي يثبته حديث ابن عمر، وهذا الحديث رواه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 132، والدارقطني‏:‏ ص 111، وغيرهما، ولفظه عند الدارقطني عن عبد اللّه، قال‏:‏ صليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند التكبيرة الأولى في افتتاح الصلاة، وهذا إن ثبت يناقض حديث ابن عمر، فلهذه النكتة أورده الترمذي عقيب حديث ابن عمر، وضعفه، ولم يورده بعد حديث ابن مسعود الذي رواه من فعله، وأما الحديث الذي حكى به ابن مسعود فعله عليه السلام، بفعله، فهو الذي رواه الترمذي وحسنه، وابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 88 - ج 4 وصححه‏.‏ وأحمد‏.‏ وغيرهم، وهذا لا يعارض حديث ابن عمر، وهو ثابت عند الترمذي، وبين الحديثين بون بائن، وقع في الاشتباه من لم يعط النظر حقه، فجر قول ابن المبارك إلى الحديث الفعلي، وهذا أبعد عن سواء الطريق، وهذا واضح لا سيما في النسخة - التي أفرد فيها بعد قول ابن المبارك ‏"‏باب من لم يرفع يديه إلا في أول مرة‏"‏ كما في نسخة عبد اللّه بن سالم البصري شيخ الشيخ ‏"‏الشاه ولي اللّه‏"‏ الدهلوي، الموجودة في ‏"‏مكتبة بير جهندا - بالسند‏"‏ وفي ‏"‏نسخة الشيخ عبد الحق‏"‏ كما في ‏"‏شرح سفر السعادة‏"‏ ثم أورد بعدها حديث ابن مسعود وحسنه، وذكر من عمل به، وهذا هو الموافق لعادة الترمذي، أنه إذا كان في مسألة اختلاف بين الحجازيين والعراقيين يورد مستدلهما، في أبواب متعاقبة، واللّه أعلم‏.‏‏]‏، قال‏:‏ لم يثبت عندي حديث ابن مسعود‏:‏ أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين، ورواه الدارقطني، ثم البيهقي في ‏"‏سننهما‏"‏ وذكره المنذري في ‏"‏مختصر السنن‏"‏، ثم قال‏:‏ وقال غير ابن المبارك‏:‏ لم يسمع عبد الرحمن من علقمة، انتهى‏.‏

ومنها تضعيف عاصم بن كليب، نقل البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ عن أبي عبد اللّه الحاكم أنه قال‏:‏ عاصم بن كليب لم يخرج حديثه الصحيح، وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى، وهذه اللفظة، ثم لا يعود غير محفوظة في الخبر، انتهى‏.‏ والجواب‏:‏ أما الأول‏:‏ فقال الشيخ في ‏"‏الإمام‏"‏‏:‏ وعدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه، وهو يدور على عاصم بن كليب، وقد وثقه ابن معين، كما قدمناه، قال‏:‏ وقول شيخنا أبي محمد المنذري، وقال غيره‏:‏ لم يسمع عبد الرحمن من علقمة، فغير قادح أيضًا، فإنه عن رجل مجهول، وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في ‏"‏مراسيله‏"‏، وإنما ذكره في ‏"‏كتاب الجرح والتعديل‏"‏، فقال‏:‏ وعبد الرحمن بن الأسود، دخل على عائشة، وهو صغير، ولم يسمع منها، وروى عن أبيه‏.‏ وعلقمة، ولم يقل‏:‏ إنه مرسل، وذكره ابن حبان في ‏"‏كتاب الثقات‏"‏، وقال‏:‏ إنه مات سنة تسع وتسعين، وكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن النخعي، فما المانع من سماعه عن علقمة، مع الاتفاق على سماع النخعي منه‏؟‏‏!‏ ومع هذا كله، فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في ‏"‏كتاب المتفق والمفترق - في ترجمة عبد الرحمن هذا‏"‏، أنه سمع أباه‏.‏ وعلقمة، انتهى‏.‏ وقال ابن القطان في ‏"‏كتابه الوَهم والإِيهام‏"‏‏:‏ ذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال‏:‏ حديث وكيع لا يصح، والذي عندي أنه صحيح، وإنما النكر فيه على وكيع زيادة‏:‏ ثم لا يعود، وقالوا‏:‏ إنه كان يقولها من قِبَل نفسه، وتارة لم يقلها، وتارة أتبعها الحديث، كأنها من كلام ابن مسعود، وكذلك قال الدارقطني‏:‏ إنه حديث صحيح، إلا هذه اللفظة، وكذلك قال أحمد بن حنبل‏.‏ وغيره، وقد اعتنى الإمام محمد بن نصر المروزي بتضعيف هذه اللفظة في ‏"‏كتاب رفع اليدين‏"‏، انتهى كلامه‏.‏ قلت‏:‏ قد تابع وكيعًا على هذه اللفظة عبد اللّه بن المبارك، كما رواه النسائي، وقد قدمناه، وأيضًا، فغير ابن القطان ينسب الوَهم فيها لسفيان الثوري لا لوكيع، قال البخاري في ‏"‏كتابه - في رفع اليدين‏"‏‏:‏ ويروي عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب، فذكره بسنده ومتنه، قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم‏:‏ نظرت في ‏"‏كتاب عبد اللّه بن إدريس‏"‏ عن عاصم بن كليب، فلم أجد فيه‏:‏ ثم لم يعد، قال البخاري‏:‏ وهذا أصح، لأن الكتاب أثبت عند أهل العلم، انتهى‏.‏ فجعل الوهم فيه من سفيان، لأن ابن ادريس خالفه، وقال ابن أبي حاتم في ‏"‏كتاب العلل ‏[‏ص 96‏]‏‏"‏‏:‏ سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد اللّه أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قام فكبر، فرفع يديه، ثم لم يعد، فقال أبي‏:‏ هذا خطأ، يقال‏:‏ وهم فيه الثوري، فقد رواه جماعة عن عاصم، وقالوا كلهم‏:‏ إن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ افتتح فرفع يديه، ثم ركع، فطبق، وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحمد ما روى الثوري، انتهى‏.‏ فالبخاري‏.‏ وأبو حاتم جعلا الوَهم فيه من سفيان‏.‏ وابن القطان، وغيره يجعلون الوَهم فيه من وكيع، وهذا اختلاف يؤدي إلى طرح القولين، والرجوع إلى صحة الحديث لوروده عن الثقات، وأما الثاني‏:‏ وهو تضعيف عاصم ‏[‏قال ابن معين‏.‏ والنسائي‏:‏ ثقة، وقال أبو حاتم‏:‏ صالح، وقال أبو داود‏:‏ وكان من العباد، وذكر فضله، قال‏:‏ وكان أفضل أهل الكوفة، وذكره ابن حبان في الثقات، قال أحمد بن صالح المصري‏:‏ يعد في وجوه الكوفيين الثقات، وفي موضع آخر‏:‏ هو ثقة مأمون، وقال ابن المديني‏:‏ لا يحتج به إذا انفرد، وقال ابن سعد‏:‏ كان ثقة يحتج به، وليس بكثير الحديث، قال أحمد‏:‏ لا بأس بحديثه، كذا في ‏"‏التهذيب‏"‏‏.‏

‏]‏، فقد قدمنا أنه من رجال الصحيح، وأن ابن معين، قال فيه‏:‏ ثقة، كما ذكره الشيخ في ‏"‏الإمام‏"‏، قال الشيخ‏:‏ وقول الحاكم‏:‏ إن حديثه لم يخرج في الصحيح، فغير صحيح، فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة عن علي في ‏"‏الهدى‏"‏، وحديثه عنه عن علي‏:‏ نهاني رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أن اجعل خاتمي في هذه‏.‏ والتي يليها، وغير ذلك، وأيضًا فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل، وقد أخرج هو في ‏"‏المستدرك‏"‏ عن جماعة لم يخرج لهم في الصحيح، وقال‏:‏ هو على شرط الشيخين، وإن أراد بقوله‏:‏ لم يخرج حديثه في ‏"‏الصحيح‏"‏، أي هذا الحديث، فليس ذلك بعلة، وإلا لفسد عليه مقصوده كله من كتابه ‏"‏المستدرك‏"‏، انتهى‏.‏

طريق آخر للحديث أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 112، والبيهقي‏:‏ ص 79 - ج 2‏.‏‏]‏، ثم البيهقي في ‏"‏سننهما‏"‏‏.‏ وابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏ عن محمد بن جابر عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه، قال‏:‏ صليت مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وأبي بكر‏.‏ وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند استفتاح الصلاة، قال الدارقطني‏:‏ تفرد به محمد بن جابر، وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد اللّه من فعله غير مرفوع، وهو الصواب، وقال البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏‏:‏ وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي سليمان عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلًا، وهذه الرواية أخرجها البيهقي في ‏"‏الخلافيات‏"‏ بسنده عن إبراهيم أن ابن مسعود كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع بعد ذلك، قال الحاكم‏:‏ وهذا هو الصحيح ‏[‏في نسخة ‏"‏هو المحفوظ‏"‏ - ‏"‏حاشية الطبع القديم‏"‏‏.‏‏]‏، وابراهيم لم ير ابن مسعود، والحديث منقطع، ومحمد بن جابر تكلم فيه أئمة الحديث، وأحسن ما قيل فيه‏:‏ إنه يسرق الحديث من كلم من يذاكره، حتى كثرت المناكير والموضوعات في حديثه، قال الشيخ‏:‏ أما قوله‏:‏ إنه كان يسرق الحديث من كل من يذاكره، فالعلم بهذه الكلية متعذر، وأما إن ذلك أحسن ما قيل فيه، فأحسن منه قول ابن عدي‏:‏ كان إسحاق بن أبي إسرائيل يفضل محمد بن جابر على جماعة شيوخ هم أفضل منه، وأوثق، وقد روى عنه من الكبار‏:‏ أيوب‏.‏ وابن عون‏.‏ وهشام بن حسان‏.‏ والثوري‏.‏ وشعبة‏.‏ ابن عيينة‏.‏ وغيرهم، ولولا أنه في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خولف في أحاديث، ومع ما تكلم فيه فهو ممن يكتب حديثه، وممن تكلم فيه البخاري، قال فيه‏:‏ ليس بالقوي، وقال ابن ميعن‏:‏ ضعيف، انتهى‏.‏ ومن الناس القائلين بالرفع من سلك في حديث ابن مسعود هذا مسلك البحث والمناظرة، فقال‏:‏ يجوز أن يكون ابن مسعود نسي الرفع في غير التكبيرة الأولى، كما نسي في التطبيق‏.‏ وغيره، واستبعد أصحابنا هذا مثل ابن مسعود، واحتجوا بحديث أخرجه الدارقطني في ‏"‏سننه ‏[‏الدارقطني‏:‏ ص 109 والبيهقي‏:‏ ص 81 - ج 2، والطحاوي‏:‏ ص 132‏]‏‏"‏ والطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ عن حصين بن عبد الرحمن، قال‏:‏ دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو بن مرة، قال‏:‏ صلينا في مسجد الحضرميين، فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه أنه رأى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا سجد، فقال إبراهيم‏:‏ ما أرى أباه رأى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، إلا ذلك اليوم الواحد، فحفظ عنه ذلك، وعبد اللّه بن مسعود لم يحفظه، إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، انتهى‏.‏ ورواه أبو يعلى الموصلي في ‏"‏مسنده‏"‏، ولفظه‏:‏أحفظ وائل، ونسي ابن مسعود‏؟‏‏!‏ ورواه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏، وزاد فيه‏:‏ فإن كان رآه مرة يرفع، فقد رآه خمسين مرة لا يرفع، انتهى‏.‏ ذكر هذا الكلام كله ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏، قال صاحب ‏"‏التنقيح ‏[‏هو ابن عبد الهادي، تبع البيهقي كما في ‏"‏سننه‏"‏ ص 81 - ج 2، وهو تابع في ذلك أبا بكر بن إسحاق، وهو أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، الإمام الجليل الضبعي، أحد الأئمة، الجامعين بين الفقه والحديث ‏"‏طبقات الشافعية‏"‏ ص 81 - ج 2‏.‏‏]‏‏"‏‏:‏ قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق، هذه علة لا يساوي سماعها، لأن رفع اليدين قد صح عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم الصحابة والتابعين، وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب ‏[‏قوله‏:‏ ‏"‏وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب‏"‏

أقول‏:‏ ليس في نسيان ابن مسعود ولا غيره ما يستغرب، لأنه شيء ورثه ابن آدم من أبيه، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏نسي ولم نجد له عزمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 115‏]‏‏.‏ لكن النسيان ههنا غريب جدًا، لأنه إما يريد به المعنى الأصلي له، وهو ضد الحفظ،، أو يريد به الجهل، وأيًا ما أريد به، فهو ههنا مستغرب جدًا، لأن رجلًا هو سادس ستة في الإسلام، ولازم النبي صلى اللّه عليه وسلم، كأنه من أهل بيته، يصلى خلفه، ويرى كل يوم يرفع النبي صلى اللّه عليه وسلم يديه عند الركوع والرفع منه سبع عشرة مرة في الفرائض، فضلًا عن النوافل، إلى أكثر من عشرين سنة، وهو خلفه في الصف الأول، ويلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليأخذ عنه الصلاة ويقتدي به، ويعمل بعمله، ثم بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي خلف أبي بكر في خلافته، ثم خلف عمر، ويراهما يرفعان أيديهما عند الركوع والرفع منه، ثم ينسى مثل هذا، أو يجهل، وله مذكر كل يوم، عن أمامه، وعلى يمينه، ويساره، وقد عمل به هو مع النبي صلى اللّه عليه وسلم عشرين سنة، فليت شعري‏!‏ إن رجلًا بلغ نسيانه بهذه المثابة، أو يجهل مثل هذه الأمور، فهذا ليس بنسيان، بل هذا الرجل إن كان فدماغه مؤوف، وإلى اللّه المشتكى فيمن جوز هذا في أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، فضلًا عن أسبقهم في الإسلام، وألزمهم للنبي صلى اللّه عليه وسلم، صحبة، وأعلمهم بالقرآن، لأجل حديث رواه هو ولم يعمل به من يفتي هذا المجوز به، فإن قيل‏:‏ إنما نسي ابن مسعود، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يداوم عليه، ولم يواظب على ذلك أبو بكر، ولا عمر، ولا غيرهم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، قلنا‏:‏ هذا هو المراد بحديث ابن مسعود، فأي نسيان بعد ذلك‏؟‏‏!‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وقد نسي من القرآن، وهي المعوذتان‏"‏،

قلت‏:‏ ما يدري أبا بكر أن ابن مسعود نسي المعوذتين، والمعروف عن ابن مسعود أنه كان يحفظهما ويحكها عن المصاحف، ويقول‏:‏ إنما أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يتعوذ بهما، وهذا أمر يرجع إلى التوقيف في الكتابة، وهذا كما روي عنه إسقاط الفاتحة من مصحفه بإسناد صحيح، وكأن يقرأ بها في الصلوات كلها، وهذا أفضل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، أبو بكر رضي اللّه عنه، وكان على هذا الظن في كتابة القرآن جملة واحدة، حتى راجعه عمر في ذلك، وهذا كاتب الوحي زيد بن ثابت لما قيل له في كتابة القرآن جملة واحدة، ثقل عليه كثقل الجبل، فلو قيل‏:‏ كان ابن مسعود في كتابة المعوذتين والفاتحة على هذا الرأي الذي كان عليه الصديق، وكاتب الوحي في كتابة القرآن جملة واحدة، فأيّ ضرر على ابن مسعود في ذلك‏؟‏ مع أن في ثبوت هذا عنه أيضًا نظرًا، قد قال ابن حزم في ‏"‏الحلى‏"‏ ص 13 - ج 1‏:‏ كل ما روي عن ابن مسعود من أن المعوذتين، وأم القرآن‏.‏ لم يكونا في مصحفه، فكذب موضوع لا يصح، وإنما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن جيش عن ابن مسعود فيها أم القرآن، والمعوذتان، وقال السيوطي في ‏"‏الاتقان‏"‏ ص 79‏:‏ قال النووي في ‏"‏شرح المهذب‏"‏‏:‏ أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منها شيئًا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل، ليس بصحيح، لوقوع سمع أبي بكر بن إسحاق حديث عبد اللّه بن عمرو عند الشيخين، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يقول‏:‏ ‏"‏استقرئوا القرآن من أربعة‏:‏ من عبد اللّه بن مسعود‏"‏ فبدأ به، اهـ‏.‏ وحديث أبي بكر رضي اللّه عنه، قال‏:‏ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من سره أن يقرأ القرآن غضًا فليقرأ على قراءة ابن أم عبد‏"‏، أحمد‏:‏ ص 7، والطيالسي‏:‏ ص 44، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏من أحب أن يقرأ القرآن غريضًا، كما أنزل‏:‏ فليقرأ قراءة ابن أم عبد‏"‏، أحمد،‏:‏ ص 446 - ج 2، وحديث عمرو بن الحارث قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من أحب أن يقرأ القرآن غضًا، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد‏"‏، أحمد‏:‏ ص 2279 - ج 4، وحديث ابن عباس، قال‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يعرض القرآن كل سنة على جبريل، فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عليه عرضتين، فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن ‏"‏مستدرك‏"‏ ص 230 - ج 2، وقال‏:‏ صحيح، وحديث أبي ظبيان، قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ أي قراءة تقرأ‏؟‏ قلت‏:‏ القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد، فقال‏:‏ هي القراءة الآخرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعرض عليه القرآن في كل عام، قال‏:‏ أراه في كل شهر رمضان، فلما كان العام الذي مات فيه عرضه عليه مرتين، فشهد عبد اللّه ما نسخ وبدل، الطحاوي‏:‏ ص 209، وأحمد‏:‏ ص 262، وغيرهما من الأحاديث الصحيحة التي ذكرها يطول، ثم أراد اتباع النبي صلى اللّه عليه وسلم، والعمل بوصيته، وظن أن ابن مسعود نسي المعوذتين، لكان الأولى به أن ينساهما كما نسي ابن مسعود، وحاشا ابن مسعود أن ينساهما أو ينكرهما، كما ذكرنا من قبل، وأنه أعلم أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بكتاب اللّه، كما أخبر هو عن نفسه، وصدقه على ذلك أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، البخاري‏:‏ ص 748‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ونسي ما اتفق العلماء على نسخه، ونسي قيام الاثنين خلف الإمام‏"‏ اهـ‏.‏

أشار به إلى حديث ابن مسعود أخرجه مسلم في ‏"‏صحيحه - في باب الندب على وضع الأيدي على الركب‏"‏ ص 202، عن علقمة، والأسود أنهما دخلا على عبد اللّه فقال‏:‏ أصلي من خلفكم‏؟‏ فقالا‏:‏ نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى، قال‏:‏ هكذا فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، اهـ‏.‏ وفي رواية‏:‏ كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، اهـ‏.‏

قلت‏:‏ ههنا مسألتين‏:‏ التطبيق‏.‏ وقيام الإمام بين الاثنين، وكلاهما ليس من النسيان في شيء‏"‏، بل فيه التصريح بأنه حفظ سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم في التطبيق‏.‏ كأنه ينظر إلى أصابع النبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ غاية الأمر أنه حفظ سنة، خالفها سنة أخرى، يمكن أن يكون من تنوع العبادات، كالأذان‏.‏ والإقامة‏.‏ والتشهد‏.‏ وتكبيرات العيدين، أو من قبيل الرخصة، كما ظن الشافعي رحمه اللّه، ومن وافقه في قصر صلاة السفر، مع أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يثبت عنه أنه أتم الصلاة في السفر، وقوله في حديث ابن مسعود‏:‏ أمرنا بالركب‏.‏ أو نهينا عن هذا، ليس بشيء منهما حكاية لفظ النبي صلى اللّه عليه وسلم، بل أدى به ما فهم من لفظ النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولم يذكر هو، وفهم بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ليس بحجة على بعض آخر، وليس التطبيق بمتفق على نسخه، بل ذهب إلى التخيير بين أخذ الركب، والتطبيق علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، وروى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن حمزة عنه، قال‏:‏ فإن شئت قلت‏:‏ هكذا ‏"‏يعني وضعت يديك على ركبتيك‏"‏ وإن شئت طبقت، وإسناده حسن، قاله الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 227 - ج 2، وهذا التأويل هو المتعين، وكيف يظن بابن مسعود - أنه يرى النبي صلى اللّه عليه وسلم كل يوم سبع عشرة مرة‏.‏ وأبا بكر رضي اللّه عنه‏.‏ وعمر رضي اللّه عنه أنهم يضعون أيديهم على الركب - وينسى ذلك ابن مسعود، ولا يذكره مذكر‏؟‏‏!‏‏.‏

وأما مسألة توسط الإمام بين الاثنين، فهذا أيضًا ليس من باب النسيان في شيء، بل من باب حفظ سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك الباب، غاية ما يقال‏:‏ إن في المسألة سنة أخرى نسخت هذه السنة التي حفظها ابن مسعود، وكم من مصل لا يتفق له في عمره أن يقتدي بإمام ليس معه إلا واحد‏؟‏ فإن لم يتفق لابن مسعود بعد ما حفظ السنة الأولى أن يصلي خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم، ومعه رجل آخر فقط، فلا حرج، فإن هذا قلما يقع، وقد اعتذر ابن سيرين عن ذلك، بأن المسجد كان ضيقًا، ذكر البيهقي في ‏"‏باب المأموم يخالف السنة في الموقف‏"‏ ص 99 - ج 3، وفي ص 181، على أن الحديث الذي استدل به على مذهب ابن مسعود هو قيام الإمام بين الاثنين، ليس بنص في ذلك، وما فيه التصريح يمكن أن يكون من تصرف الرواة، فقد روى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 459 - ج 1 عن يعقوب عن ابن إسحاق‏:‏ قال‏:‏ وحدثني عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه‏:‏ قال‏:‏ دخلت، أنا‏.‏ وعمي علقمة على عبد اللّه بن مسعود - بالهاجرة - قال‏:‏ فأقام الظهر ليصلي، فقمنا خلفه، فأخذ بيدي‏.‏ ويد عمي، ثم جعل أحدنا عن يمينه‏.‏ والآخر عن يساره، ثم قام بيننا، فصففنا خلفه صفًا واحدًا، ثم قال‏:‏ هكذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل إذا كانوا ثلاثة، اهـ‏.‏

فهذه الرواية تدل على أن ابن مسعود توسط بين أسود‏.‏ وعلقمة، ولكن كان إمامهما، وهما خلفه، فعلى هذا الاختلاف بين هذا، وبين ما اختاره الجمهور، واللّه أعلم‏.‏ وظاهر كلام ابن قيم في ‏"‏البدائع‏"‏ يدل على أن ما فعل ابن مسعود هو السنة الدائمة المستمرة، إذا كان أحد المأمومين، صبيًا، قال في ص 91 - ج 4 منه‏:‏ روى أنس‏:‏ صليت خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أنا ويتيم لنا، وأم سليم خلفنا، يحتمل أن يكون كان أحدهما محتلمًا، ويحتمل أن يكونا صبيين، أما إذا كان أحدهما بالغًا، فعلى حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة‏.‏ والأسود، وأحدهما غير محتلم، فأقام أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ورفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ونسي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها‏"‏، اهـ‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 5‏)‏‏:‏ - الحديث التاسع والثلاثون‏:‏ يوجد في بعض نسخ ‏"‏الهداية - للشافعي‏"‏ ما‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

أشار به إلى حديث ابن مسعود في ‏"‏الصحيحين‏"‏ صلى الفجر قبل ميقاتها، وهذا صحيح لا غبار عليه، فإنه لم يرد به الوقت المشروع، بل أراد به الوقت المعتاد، وكانت هذه الصلاة بعد طلوع الفجر في وقتها المشروع، قبل وقتها الذي كان يصليها فيه في سائر الأيام، كما في ‏"‏الصحيح - في ذلك الباب‏"‏ ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ولقائل أن يقول‏:‏ لم يطلع الفجر، اهـ‏.‏ ولم يكن يصلي قبل ذلك في وقت يشتبه على الناظر هكذا، وهذا ظاهر، وبه أول الشافعي‏.‏ وأحمد، والذين يرون استحباب التغليس لصلاة الفجر، حديث أبي رافع‏:‏ ‏"‏أسفروا بألفجر فإنه أعظم للأجر‏"‏ قال الترمذي ص 22‏:‏ قال الشافعي‏.‏ وأحمد‏:‏ معنى الإسفار أن يصح الفجر، فلا يشك، اهـ‏.‏ فمعنى التغليس الذي استحبه الشافعي‏.‏ وأحمد، ومن وافقهم، وظنوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان عمله عليه إلى أن مضى لسبيله، هو الوقت الذي يصح فيه الفجر، فلا يشك فيه، وكانت صلاته صلى اللّه عليه وسلم بجمع بعد طلوع الفجر يقينًا، لكن في وقت يشك الناظر في طلوعه، وهذا هو معنى قبل ميقاتها، فمما قال ابن مسعود، ليس من النسيان في شيء، بل هو من باب الحفظ، أيّ حفظ، فالعجب من أبي بكر، وممن يذكر قوله‏:‏ إنه رأى حديث الصبح قبل ميقاتها، ولم ير حديث ابن مسعود في ذلك الباب، وقبله بباب، وفيه حين طلع الفجر، أو فلما طلع الفجر، أو حين يبزغ الفجر، وهذا من قول أبي بكر في هذا الباب، واستطالة لسانه بنسيانه الكتاب والسنة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم إياه أراد بقوله‏:‏ استقرئوا القرآن عن أربعة‏:‏ عن عبد اللّه بن مسعود، وبدأ به، وإياه عنى بقوله‏:‏ ما حدثكم ابن أم عبد فصدقوا، وبقوله‏:‏ رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد ‏"‏مستدرك‏"‏ ص 319 - ج 3، واللّه أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏نسي كيفية الجمع بعرفة‏"‏‏.‏

الظاهر أنه أراد به ما يتبادر من حديث الصحيح، أنه قال‏:‏ ما رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى الفجر لغير ميقاتها، إلا صلاتين‏:‏ جمع بين المغرب‏.‏ والعشاء‏.‏ وصلى الفجر قبل ميقاتها، اهـ‏.‏ لأن الظاهر أن الصلاتين اللتين لم ير ابن مسعود غيرهما أنه عليه السلام صلاهما لغير ميقاتهما‏:‏ صلاتي المغرب‏.‏ والفجر بمزدلفة، ولم يذكر في هذه الحديث عرفة، وهو أيضًا محول عن وقته، فظن أبو بكر أن ابن مسعود نسيه، فهذا ظن من أبي بكر، وإن بعض الظن إثم، ما يدريه لعل ابن مسعود ذكر الصلاة بعرفة أيضًا‏؟‏‏!‏ فلم يذكره الراوي لنسيانه، أو لعدم تعلق غرض السائل به حين رواه، أو بشيء آخر، وكان هو أحق بنسبة النسيان إليه، من أن ينسبه إلى صاحب نعلي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ووسادته، وسادس ستة في الإسلام، بلا حجة‏؟‏‏!‏ إذ يمكن أن براد بحديث الصحيح‏:‏ ما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها، إلا صلاتين‏:‏ صلاة العصر بعرفة‏.‏ والمغرب بمزدلفة، وهما المحولتان عن الوقت الأصلي، ثم ذكر صلاة الفجر بمزدلفة على حدة، وهي ليست بمحولة، لكن فيها تقديم عن الوقت المعتاد، فذكره بعد الصلاتين المحولتين، لأجل التحول الذي وقع فيه، وإن لم تخرج عن الوقت المشروع، كما في حديث مسلم‏:‏ ‏"‏تركت فيكم أمرين‏"‏ وأراد بهما الكتاب والسنة، ثم ابتدأ بذكر أهل البيت، فظن من ظاهر السياق أن الأمرين هما‏:‏ ‏"‏الكتاب‏.‏ وأهل البيت، ويقع هذا من اختصار الرواة كثيرًا، كما في حديث ابن عباس في ‏"‏الصحيح - في باب الفرائض - في باب ذوي الأرحام‏"‏ ص 999، فإن فيه قوله‏:‏ ‏{‏والذين عقدت أيمانكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 33‏]‏‏.‏كلام مبتدأ لا تعلق له بما قبله، بل ذكره، وفسره بما بعده، بقوله‏:‏ من النصر‏.‏ والرفادة‏.‏ والنصيحة، ذكره الرواي في ‏"‏التفسير‏"‏ ص 659، واختصر الكلام ههنا، فحذف الخبر، فصلت هذا في ‏"‏حاشية نبراس الساري‏"‏ على هذا الحديث، وكذا في حديث‏:‏ وفد عبد القيس، وأمثاله في الحديث كثيرة، وهذه كفاية لمن ألقى السمع، وهو شهيد‏.‏

فإن قلت‏:‏ في الأحاديث التي ذكرتها من أمثلة اختصار الرواة علمنا ذلك من رواية أخرى، فما الرواية التي يستدل بها أنه أراد بالصلاتين المحولتين‏:‏ عصر عرفة ومغرب مزدلفة، وإنما ذكر الفجر لأجل مناسبة التحول، وليست هي الثانية المتحولة عن الوقت‏؟‏ قلنا‏:‏ على هذا أيضًا دليل أي دليل، وبه يتضح مراده من الصلاتين، أخرج النسائي في ‏"‏الحج - في باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة‏"‏ من حديث عبد اللّه، قال‏.‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي الصلاة لوقتها، إلا بجمع‏.‏ وعرفات، اهـ‏.‏ وهذا حديث صحيح، وهذا هو الجواب الصحيح، ولو لم يرد ذكر عرفة في رواية لكان له وجه أيضًا، لأن الظاهر أن ابن مسعود رد به على ما ذهب إليه بعض أهل العلم من جمع التأخير في السفر، فأجمل صلاة الظهر بعرفة، لأن جمع التقديم قل من ذهب إليه قديمًا وحديثًا، وفصل ذكر المغرب لهذا الغرض، ثم ذكر فجر مزدلفة للمناسبة، وهذا كما سئل سالم، أكان عبد اللّه يجمع في شيء من الصلوات في السفر‏؟‏ فقال‏:‏ لا، إلا بجمع، اهـ‏.‏ ولم يذكر جمع عرفة، لأن الجمع الذي سألوا عنه لم يكن من جمع التقديم في شيء، وقل من ذهب إلى جمع التقديم في السفر، وحديث أبي داود، في جمع التقديم أعلوه بعلل مختلفة، واللّه أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏نسي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود‏"‏، اهـ‏.‏

أراد بذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ هيئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏نسي كيف يقرأ‏:‏ ‏{‏وما خلق الذكر والأنثى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 3‏]‏‏.‏‏"‏ اهـ‏.‏

قلت‏:‏ هذا من باب اختلاف القراءة، وليس من باب النسيان، وفي الصحيح من حديث أبي الدرداء‏:‏ ص 737 قال‏:‏ قال علقمة‏:‏ ‏{‏والذكر والأنثى‏}‏ قال أبو الدرداء‏:‏ إني سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ‏:‏ ‏{‏وما خلق الذكر والأنثى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 3‏]‏‏.‏‏"‏ واللّه لا أتابعهم، اهـ‏.‏ وفي رواية‏:‏ ص 529، واللّه لقد أقرأنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من فيه إلى فيّ، اهـ‏.‏ وقال في ‏"‏الجوهر‏"‏ ص 82 - ج 2‏:‏ في ‏"‏المحتسب - لابن جني‏"‏ وقرأ‏:‏ ‏{‏والذكر والأنثى‏}‏ ‏"‏ عليّ‏.‏ وابن مسعود‏.‏ وابن عباس، وفي الصحيح أن أبا الدرداء، ثم ذكر الحديث‏.‏ فأي حجة يحتج به لابن مسعود بعد هذا، أنه لم ينس ليطمئن به أبو بكر، ولم يقنع بقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏استقرؤوا القرآن من أربعة‏:‏ عبد اللّه‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏عبد اللّه بن عمر‏"‏ وبدأ به، ولوصية أفقه أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، يقول‏:‏ العلم والإيمان مكانهما من اتبعهما وجدهما، التمسوا العلم عند أربعة‏:‏ عند عويمر أبي الدراداء‏.‏ وعند سلمان الفارسي‏.‏ وعند عبد اللّه بن مسعود، الحديث أخرجه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 343 - ج، فلو تأدب أبو بكر بآداب النبي صلى اللّه عليه وسلم لقال - كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لهشام‏:‏ ‏"‏هكذا أنزلت، ولعمر‏:‏ هكذا أنزلت - أنزل القرآن على سبعة أحرف‏"‏ ليت شعري‏!‏ كتب الحديث طافحة باختلاف القراء من الصاحابة والتابعين، وهؤلاء القراء السبعة التي تواترت قراءتهم اختلفوا في كثير من الحروف، أكل هؤلاء نسوا ‏!‏‏؟‏‏.‏

ثم نسأل أبا بكر - إن من كان من الغفلة بمكان، رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم عشرين سنة كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة يفعل فعلًا، ثم بعد ذلك في خلافة أبي بكر‏.‏ وعمر، وله مذكر من أمامه، وعن يمينه، ومن خلفه، ويقول بخلافه، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هكذا، أو فعل هكذا، ويرد عليه حديثه لأجل النسيان، هل يقال له‏:‏ ضعيف الحديث عند أهل الحديث، أم لا‏؟‏ وهل كل صاحب روى حديثًا، وقال فيه‏:‏ إنه رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم فعل كذا، ولكن لصاحب آخر حديث آخر هو ناسخ، أيقال للأول‏:‏ إنه نسي، ويرد حديثه بهذه العلة‏؟‏‏!‏ أم هذا مختص بابن مسعود رضي اللّه عنه‏؟‏‏!‏ وعلى الأول، هل من صاحب لم ينس هذا النسيان‏؟‏‏!‏‏.‏‏]‏ قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد، وهي المعوذتان‏.‏ ونسي ما اتفق العلماء على نسخه، كالتطبيق، ونسي كيف قيام الإِثنين خلف الإمام‏.‏ ونسي ما لم يختلف العلماء فيه، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعرفة‏.‏

ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏وما خلق الذكر والأنثى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 3]‏‏.‏، وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين، وقال البخاري في ‏"‏كتابه - في رفع اليدين‏"‏‏:‏ كلام إبراهيم هذا ظن منه، لا يرفع به رواية وائل، بل أخبر أنه رأى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي، وكذلك رأى أصحابه غير مرة يرفعون أيديهم، كما بينه زائدة، فقال‏:‏ حدثنا عاصم ثنا أبي عن وائل بن حجر أنه رأى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي، فرفع يديه في الركوع، وفي الرفع منه، قال‏:‏ ثم أتيتهم بعد ذلك، فرأيت الناس في زمان بَرْدٍ، عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم من تحت الثياب، انتهى‏.‏ وقال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ قال الشافعي‏:‏ الأوْلى أن يؤخذ بقول وائل، لأنه صحابي جليل، فكيف يرد حديثه بقول رجل ممن هو دونه، وخصوصًا، وقد رواه معه عدد كثير، انتهى‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - الحديث التاسع والثلاثون‏:‏ يوجد في بعض نسخ ‏"‏الهداية - للشافعي‏"‏ ما‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

- حديث آخر أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من لم يذكر الرفع عند الركوع‏"‏ ص 116‏)‏‏]‏ عن شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال‏:‏ كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود، انتهى‏.‏ قال أبو داود‏:‏ رواه هشيم‏.‏ وخالد‏.‏ وابن ادريس عن يزيد، لم يذكروا فيه‏:‏ ثم لا يعود، انتهى‏.‏ قال الشيخ في ‏"‏الإمام‏"‏‏:‏ واعترض عليه بأمور‏:‏ أحدها‏:‏ إنكار هذه الزيادة على شريك، وزعموا أن جماعة رووه عن يزيد، فلم يذكروها، قال الشيخ‏:‏ وقد توبع شريك عليها، كما أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 110، وكما أخرجه الطحاوي‏:‏ ص 132، والبيهقي‏:‏ ص 76 - ج 2 عن سفيان ثنا يزيد بن زياد به، نحوه‏.‏‏]‏ عن إسماعيل بن زكريا ثنا يزيد بن أبي زياد به، نحوه وأنه كان تغير بآخره، وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة، كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم ثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال‏:‏ رأيت النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، فقلت‏:‏ أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت‏:‏ ثم لم يعد، قال‏:‏ لا أحفظ هذا، ثم عاودته، فقال‏:‏ لا أحفظه، وقال البيهقي‏:‏ سمعت الحاكم أبا عبد اللّه يقول‏:‏ يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ، فلما كبر ساء حفظه، فكان يقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز، وقال الحاكم، ثم البيهقي عنه، بسند عن أحمد بن حنبل، قال‏:‏ هذا حديث واهٍ قد كان يزيد بن أبي زياد يحدث به برهة من دهره، فلا يذكر فيه‏:‏ ثم لا يعود، فلما لقن أخذه، فكان يذكره فيه قال الشيخ‏:‏ ويزيد بن أبي زياد معدود في أهل الصدق، كوفي، يكنى ‏"‏أبا عبد اللّه‏"‏، ذكر أبو الحارث القروي، قال أبو الحسن‏:‏ يزيد بن أبي زياد، جيد الحديث، وذكر مسلم في ‏"‏مقدمة كتابه‏"‏ صنفًا، فقال فيهم‏:‏ إن الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب‏.‏ ويزيد بن أبي زياد‏.‏ وليث بن أبي سليم‏.‏ الأمر الثاني‏:‏ المعارضة برواية إبراهيم بن يسار عن سفيان ثنا يزيد بن أبي زياد - بمكة - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب، قال‏:‏ رأيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، قال سفيان‏:‏ فلما قدمت الكوفة سمعته يقول‏:‏ يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود، فظننتهم لقنوه، رواه الحاكم، ثم البيهقي عنه ‏[‏ص 77 - ج 2‏.‏‏]‏‏.‏ قال الحاكم‏:‏ لا أعلم أحدًا ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ثقة، من الطبقة الأولى، من أصحاب ابن عيينة، جالس ابن عيينة نيفًا وأربعين سنة، ورواه البخاري في ‏"‏كتابه - في رفع اليدين ‏[‏في ‏"‏جزء الرفع‏"‏‏:‏ ص 12، وانتهى حديثه إلى قوله‏:‏ وكان يرفع يديه إذا كبر، اهـ‏.‏ وليس فيه في حديث البراء ‏"‏الرفع عند الركوع، والرفع منه‏"‏ اهـ‏.‏‏]‏‏"‏ حدثنا الحميدي ثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد بمثل لفظ الحاكم، قال البخاري‏:‏ وكذلك رواه الحفاظ ممن سمع يزيد قديمًا‏:‏ منهم شعبة‏.‏ والثوري‏.‏ وزهير، وليس فيه‏:‏ ثم لم يعد، انتهى‏.‏ وقال ابن حبان في ‏"‏كتاب الضعفاء‏"‏‏:‏ يزيد بن أبي زياد كان صدوقًا، إلا أنه لما كبر تغير، فكان يلقن، فيتلقن، فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة ليس بشيء، انتهى‏.‏- طريق آخر لحديث البراء، أخرجه أبو داود ‏[‏في ‏"‏باب من لم يذكر الرفع عند الركوع‏"‏ ص 116‏.‏‏]‏ عن وكيع عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، قال‏:‏ رأيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ رفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف، انتهى‏.‏ قال أبو داود‏:‏ هذا الحديث ليس بصحيح، وكأنه ضعفه بمحمد بن أبي ليلى، وذكره البخاري في ‏"‏كتابه - في رفع اليدين‏"‏ معلقًا، لم يصل سنده به، ثم قال‏:‏ وإنما روى ابن أبي ليلى، هذا من حفظه، فأما من روى عن ابن أبي ليلى من كتابه، فإنما حدث عنه عن يزيد بن أبي زياد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد، والمحفوظ ما روى عنه الثوري‏.‏ وشعبة‏.‏ وابن عيينة، قديمًا، ليس قيه‏:‏ ثم لم يرفع، انتهى‏.‏ وقال الحازمي في ‏"‏كتابه الناسخ والنسوخ‏"‏‏:‏ الوجه التاسع عشر‏:‏ أن يكون أحد الروايتين لم يضطرب لفظه، فترجح خبره على خبر من اضطرب لفظه، لأنه يدل على ضبطه نحو حديث ابن عمر أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع، فإنه يروي عن ابن عمر من غير وجه، ولم يختلف عليه فيه، فهو أوْلى بالمصير من حديث البراء بن عازب‏:‏ أنه عليه السلام كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود، لأنه يعرف بيزيد بن أبي زياد، وهو قد اضطرب فيه، قال سفيان بن عيينة‏:‏ كان يزيد بن أبي زياد يروي هذا الحديث، ولا يقول فيه‏:‏ ثم لا يعود، ثم دخلت الكوفة فرأيته يرويه، وقد زاد فيه‏:‏ ثم لا يعود، لقنوه، فتلقن، انتهى‏.‏ قال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ ويدل على أنه تلقنها، أن أصحابه القدماء لم يؤثروها عنه، مثل سفيان الثوري‏.‏ وشعبة‏.‏ وهشيم‏.‏ وزهير‏.‏ وغيرهم، وإنما أتى بها عنه من سمع منه بآخره، وكان قد تغير واختلط، وابن أبي زياد ضعفه ابن معين، وقد رواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عبد الرحمن عن البراء‏.‏ ومحمد ابن أبي ليلى أضعف عند أهل الحديث من ابن أبي زياد، واختلف عليه في إسناده، فقيل‏:‏ هكذا، وقيل‏:‏ عنه عن الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى، وقيل‏:‏ عنه عن يزيد بن أبي زياد عن ابن ليلى، فعاد الحديث إلى يزيد، قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل‏:‏ كان أبي ينكر حديث الحكم، وعيسى، ويقول‏:‏ إنما هو حديث يزيد بن أبي زياد، وابن أبي ليلى سيء الحفظ‏.‏ وابن أبي زياد ليس بالحافظ، انتهى‏.‏

- حديث آخر، أخرجه البيهقي في ‏"‏الخلافيات‏"‏ عن عبد اللّه بن عون الخراز ثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يرفع يديه، إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود، انتهى‏.‏ قال البيهقي‏:‏ قال الحاكم‏:‏ هذا باطل موضوع، ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح، فقد روينا بالأسانيد الصحيحة عن مالك بخلاف هذا، ولم يذكر الدارقطني هذا في ‏"‏غرائب حديث مالك‏"‏ قال الشيخ‏:‏ والخراز هذا ‏"‏بخاء معجمة، بعدها راء مهملة، آخره زاي معجمة‏"‏‏.‏

- حديث آخر، أخرجه البيهقي في ‏"‏الخلافيات‏"‏ أيضًا، أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن محمد بن إسحاق عن الحسن بن الربيع عن حفص بن غياث عن محمد ابن أبي يحيى ‏[‏في نسخة ‏"‏عن ابن يحيى‏"‏‏.‏‏]‏ عن عباد بن الزبير أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة، ثم لم يرفعها في شيء حتى يفرغ، انتهى‏.‏ قال الشيخ في ‏"‏الإمام‏"‏‏:‏ وعباد هذا تابعي، فهو مرسل، انتهى‏.‏

- حديث آخر، حديث‏:‏ ‏"‏لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن‏"‏، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

- حديث آخر، ذكر الحاكم أبو عبد اللّه في ‏"‏كتاب المدخل ‏[‏ص 22‏.‏‏]‏ إلى معرفة الإكليل في ذكر المجروحين‏"‏ تحت ترجمة جماعة وضعوا الحديث في الوقت لحاجتهم إليه، قال‏:‏ وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني‏:‏ إن قومًا يرفعون أيديهم في الركوع، وبعد رفع الرأس من الركوع، فقال‏:‏ حدثنا المسيب بن واضح ثنا عبد اللّه بن المبارك عن يونس بن زيد عن الزهري عن أنس، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ من رفع يديه في الركوع، فلا صلاة له، انتهى‏.‏ قال الحاكم‏:‏ فكل من رزقه اللّه فهمًا في نوع من العلم، وتأمل هذه الأحاديث علم أنها موضوعة على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى‏.‏ وهذا الحديث رواه ابن الجوزي بإسناده في ‏"‏الموضوعات‏"‏ عن محمد بن عكاشة به، ثم نقل عن الدارقطني أنه قال‏:‏ محمد بن عكاشة هذا كان يضع الحديث، ثم رواه ابن الجوزي من حديث المأمون بن أحمد السلمي ثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏"‏من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له‏"‏، انتهى‏.‏ وكذلك رواه في ‏"‏كتاب التحقيق‏"‏، ونقل في الكتابين عن ابن حبان أنه قال‏:‏ مأمون هذا كان دجالًا من الدجاجلة، قال ابن الجوزي‏:‏ وما أبله من وضع هذه الأحاديث الباطلة لتقاوم بها الأحاديث الصحيحة، فقد روى الرفع من الصحابة جماعة كثيرون، وسمى ستة وعشرين رجلًا، قال‏:‏ ومن لم يكن الحديث صناعته لم ينكر عليه الاحتجاج بالأباطيل، انتهى‏.‏

- الآثار في ذلك‏:‏ روى الطحاوي ‏[‏ص 133‏.‏ قال الحافظ في ‏"‏الدراية‏"‏ ص 58‏:‏ رجاله ثقات‏.‏‏]‏، ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش عن عبد الملك ابن أبجر عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود، قال‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود، قال‏:‏ ورأيت إبراهيم‏.‏ والشعبي يفعلان ذلك، قال الطحاوي‏:‏ فهذا عمر لم يكن يرفع يديه أيضًا إلا في التكبيرة الأولى، والحديث صحيح، فإن مداره على الحسن بن عياش، وهو ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين عنه، انتهى‏.‏ واعترضه الحاكم‏:‏ بأن هذه رواية شاذة لا يقوم بها حجة، ولا تعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاوس بن كيسان عن ابن عمر ‏[‏قلت‏:‏ هذه المعارضة ذكرها الحافظ أيضًا في ‏"‏الدراية‏"‏ ص 85، وذكر ابن عمر فقط، ولم يذكر عمر، وقال الشيخ المحقق‏:‏ ظهير أحسن ‏"‏النيموي - الهندي‏"‏ في كتابه ‏"‏آثار السنن‏"‏ ص 106 - ج 1‏:‏ رجعت إلى نسخة صحيحة كتبوه من ‏"‏نصب الراية‏"‏ في الخزانة المعروفة ‏"‏بأيشياك سوساثئتي - كلكتة‏"‏ فوجدت فيها هكذا‏:‏ عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه، اهـ‏.‏ وفي ‏"‏فتح القدير‏"‏ ص 219 - ج 1‏:‏ وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان عن ابن عمر رضي اللّه عنه‏:‏ كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه‏.‏‏]‏ أن عمر كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه، وروى هذا الحديث سفيان الثوري عن الزبير بن عدي به، ولم يذكر فيه‏:‏ لم يعد، ثم رواه الحاكم، وعنه البيهقي بسنده عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود أن عمر ‏[‏متنه عند ابن أبي حاتم في ‏"‏العلل‏"‏ ص 95 - ج 1 هكذا‏:‏ أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه، اهـ‏.‏‏]‏ كان يرفع يديه في التكبير، انتهى‏.‏ قال الشيخ‏:‏ وما ذكره الحاكم فهو من باب ترجيح رواية لا من باب التضعيف، وأما قوله‏:‏ إن سفيان لم يذكر عن الزبير بن عدي فيه‏:‏ لم يَعدْ، فضعيف جدًا، لأن الذي رواه سفيان في مقدار الرفع، والذي رواه الحسن بن عياش في محل الرفع، ولا تعارض بينهما، ولو كانا في محل واحد لم تعارض رواية من زاد برواية من ترك، والحسن بن عياش أبو محمد هو أخو أبي بكر بن عياش، قال فيه ابن معين‏:‏ ثقة، هكذا رواه ابن أبي خيثمة عنه، وقال عثمان بن سعيد الدرامي‏:‏ الحسن‏.‏ وأخوه أبو بكر بن عياش كلاهما من أهل الصدق والأمانة، وقال ابن معين‏:‏ كلاهما عندي ثقة‏.‏

- أثر آخر أخرجه الطحاوي ‏[‏ص 132، قال في ‏"‏الدراية‏"‏ ص 85‏:‏ رجاله ثقات‏.‏‏]‏ عن أبي بكر النهشلي ثنا عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا رضي اللّه عنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود يرفع، انتهى‏.‏ وهو أثر صحيح، قال البخاري في ‏"‏كتابه - في رفع اليدين‏"‏‏:‏ وروى أبو بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليًا رفع يديه في أول التكبيرة، ثم لم يعد، وحديث عبيد اللّه بن أبي رافع أصح، انتهى‏.‏ فجعله دون حديث عبيد اللّه بن أبي رافع في الصحة، وحديث ابن أبي رافع صححه الترمذي‏.‏ وغيره، وسيأتي في أحاديث الخصوم، وقال الدارقطني في ‏"‏علله‏"‏‏:‏ واختلف على أبي بكر النهشلي فيه، فرواه عبد الرحيم بن سليمان عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وَوَهَم في رفعه، وخالفه جماعة من الثقات‏:‏ منهم عبد الرحمن بن مهدي‏.‏ وموسى بن داود‏.‏ وأحمد بن يونس‏.‏ وغيرهم، فرووه عن أبي بكر النهشلي موقوفًا على عليٍّ، وهو الصواب، وكذلك رواه محمد بن أبان عن عاصم موقوفًا، انتهى‏.‏ فجعله الدارقطني موقوفًا صوابًا، واللّه أعلم‏.‏

- أثر آخر أخرجه البيهقي عن سوار بن مصعب عن عطية العوفي أن أبا سعيد الخدري‏.‏ وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران، ثم لا يعودان، انتهى‏.‏ قال البيهقي‏:‏ قال الحاكم‏:‏ وعطية سيء الحال، وسوار أسوأ حالًا منه، وأسند البيهقي عن البخاري أنه قال‏:‏ سوار بن مصعب منكر الحديث، وعن ابن معين أنه غير محتج به‏.‏

- أثر آخر أخرجه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار ‏[‏ص 313 - ج 1 رجاله ثقات، سكت عليه الحافظ في ‏"‏الدراية‏"‏‏.‏‏]‏‏"‏ عن إبراهيم النخعي، قال‏:‏ كان عبد اللّه بن مسعود لا يرفع يديه في شيء من الصلوات، إلا في الافتتاح، انتهى‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ فإن قالوا‏:‏ إن إبراهيم عن عبد اللّه غير متصل، قيل لهم‏:‏ كان إبراهيم لا يرسل عن عبد اللّه إلا ما صح عنده وتواترت به الرواية عنه، كما أخبرنا، وأسند عن الأعمش ‏[‏قلت‏:‏ روى الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 133، والترمذي في ‏"‏علله - في آخر الترمذي‏"‏ ص 239 - ج 2، وابن سعد في ‏"‏طبقاته‏"‏ ص 190 - ج 6، كلهم من طريق شعبة عن الأعمش، قال‏:‏ قلت لإبراهيم‏:‏ إذا حدثتني عن عبد اللّه فأسند، قال‏:‏ إذا قلت لك‏:‏ عبد اللّه، فقد سمعته من غير واحد من أصحابه، وإذا قلت‏:‏ حدثني عن عبد اللّه فلان، فحدثني فلان، اهـ‏.‏ واللفظ لابن سعد، وأسند البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 148 - ج 1 عن ابن معين، قال‏:‏ مرسلات إبراهيم صحيحة، إلا حديث‏:‏ تاجر البحرين، و حديث الضحك في الصلاة، اهـ‏.‏ قال الحافظ في ‏"‏الدراية‏"‏ ص 16‏:‏ وأخرج ابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏ عن يحيى بن معين، قال‏:‏ مراسيل إبراهيم النخفعي صحيحة، إلا حديث تاجر البحرين، اهـ‏.‏ قال الدارقطني في ص 361، وبعد حديث رواه عن إبراهيم عن عبد اللّه‏:‏ هذه الرواية، وإن كان فيها إرسال فإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد اللّه وبفتياه، وقد أخذ عن أخواله، علقمة‏.‏ والأسود‏.‏ وعبد الرحمن بن يزيد‏.‏ وغيرهم من كبراء أصحاب عبد اللّه، وهو القائل‏:‏ إذا قلت لك‏:‏ قال عبد اللّه، فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سمعته من رجل واحد سميته، اهـ‏.‏ قال ابن قيم في ‏"‏الهدى‏"‏‏:‏ ص 354 - ج 2، وص 204 - ج 4 في بحث عدة الأمة ما نصه‏:‏ وإبراهيم لم يسمع من عبد اللّه، ولكن الواسطة بينه وبين عبد اللّه، كعلقمة، ونحوه، وقد قال إبراهيم‏:‏ إذا قلت‏:‏ قال عبد اللّه، فقد حدثني به غير واحد عنه، وإذا قلت‏:‏ قال فلان عنه، فهو ممن سمعت، أو كما قال، ومن المعلوم أن بين إبراهيم‏.‏ وعبد اللّه أئمة ثقات لم يسم قط مبهمًا‏.‏ ولا مجروحًا‏.‏ ولا مجهولًا، فشيوخه الذين أخذ عنهم عن عبد اللّه أئمة أجلاء نبلاء، وكانوا كما قيل‏:‏ سرج الكوفة، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم‏:‏ قال عبد اللّه‏.‏ لم يتوقف في ثبوته عنه، وإن كان غيره ممن في طبقته، لو قال‏:‏ قال عبد اللّه لا يحصل لنا الثبوت بقوله، فإبراهيم نظير بن المسيب عن عمرو، ونظير مالك عن ابن عمر، فالوسائط بين هؤلاء وبين الصحابة إذا سموهم وجدوهم من أجل الناس وأوثقهم وأصدقهم ولا يسمونهم ألبتة‏]‏ أنه قال لإبراهيم‏:‏ إذا حدثتني عن عبد اللّه، فأسند، قال‏:‏ إذا قلت لك‏:‏ قال عبد اللّه‏:‏ فاعلم أني لم أقله حتى حدثنيه جماعة عنه، وإذا قلت لك‏:‏ حدثني فلان عن عبد اللّه، فهو الذي حدثي وحده عنه، قال‏:‏ ومذهبنا أيضًا قوي من جهة النظر، فإنهم أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع، وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع بينهما، واختلفوا في تكبيرة الركوع‏.‏ وتكبيرة الرفع منه، فألحقهما قوم بالتكبيرة الأولى، وألحقهما قوم بتكبيرة السجدتين، ثم أنا رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تصح بدونها الصلاة، والتكبيرة بين السجدتين ليست بذلك، ورأينا تكبيرة الركوع والنهوض ليستا من صلب الصلاة، فألحقناهما بتكبيرة السجدتين، واللّه أعلم، انتهى كلامه‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏ - الحديث التاسع والثلاثون‏:‏ يوجد في بعض نسخ ‏"‏الهداية - للشافعي‏"‏ ما‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏